فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

سورة القارعة مكية، وآيها ثمان آيات.
بسم الله الرحمن الرحيم
{القارعة مَا القارعة وَمَا أَدْرَاكَ مَا القارعة}
سبق بيانه في (الحاقة).
{يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث} في كثرتهم وذلتهم وانتشارهم واضطرابهم، وانتصاب {يَوْمَ} بمضمر دلت عليه {القارعة}.
{وَتَكُونُ الجبال كالعهن} كالصوف ذي الألوان.
{المنفوش} المندوف لتفرق أجزائها وتطايرها في الجو.
{فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ موازينه} بأن ترجحت مقادير أنواع حسناته.
{فَهُوَ في عِيشَةٍ} في عيش.
{رَّاضِيَةٍ} ذات رضا أو مرضية.
{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ موازينه} بأن لم يكن له حسنة يعبأ بها، أو ترجحت سيئاته على حسناته.
{فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} فمأواه النار المحرقة والهاوية من أسمائها ولذلك قال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} ذات حمى.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة القارعة ثقل الله بها ميزانه يوم القيامة». اهـ.

.قال أبو حيان:

سورة القارعة:
{الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)}
وقال الجمهور: {القارعة}: القيامة نفسها، لأنها تقرع القلوب بهولها.
وقيل: صيحة النفخة في الصور، لأنها تقرع الأسماع وفي ضمن ذلك القلوب.
وقال الضحاك: هي النار ذات التغيظ والزفير.
وقرأ الجمهور: {القارعة ما القارعة} بالرفع، فما استفهام فيه معنى الاستعظام والتعجب وهو مبتدأ، والقارعة خبره، وتقدم تقرير ذلك في {الحاقة ما الحاقة} وقيل ذلك في قوله: {فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة} وقال الزجاج: هو تحذير، والعرب تحذر وتغري بالرفع كالنصب، قال الشاعر:
أخو النجدة السلاح السلاح

وقرأ عيسى: بالنصب، وتخريجه على أنه منصوب بإضمار فعل، أي اذكروا القارعة، وما زائدة للتوكيد؛ والقارعة تأكيد لفظي للأولى.
وقرأ الجمهور: {يوم} بالنصب، وهو ظرف، العامل فيه، قال ابن عطية: القارعة.
فإن كان عنى بالقارعة اللفظ الأول، فلا يجوز للفصل بين العامل، وهو في صلة أل، والمعمول بالخبر؛ وكذا لو صار القارعة علمًا للقيامة لا يجوز أيضًا، وإن كان عنى اللفظ الثاني أو الثالث، فلا يلتئم معنى الظرف معه.
وقال الزمخشري: الظرف نصب بمضمر دل عليه القارعة، أي تقرع يوم يكون الناس.
وقال الحوفي: تأتي يوم يكون.
وقيل: اذكر يوم.
وقرأ زيد بن علي: يوم يكون مرفوع الميم، أي وقتها.
{يوم يكون الناس كالفراش المبثوث}، قال قتادة: هو الطير الذي يتساقط في النار.
وقال الفراء: غوغاء الجراد، وهو صغيره الذي ينتشر في الأرض يركب بعضه بعضًا من الهول.
وقيل: الفراش طير دقيق يقصد النار، ولا يزال يتقحم على المصباح ونحوه حتى يحترق.
شبهوا في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والمجيء والذهاب على غير نظام، والتطاير إلى الداعي من كل جهة حتى تدعوهم إلى ناحية المحشر، كالفراش المتطاير إلى النار.
قال جرير:
إن الفرزدق ما علمت وقومه ** مثل الفراش عشين نار المصطلى

وقرن بين الناس والجبال تنبيهًا على تأثير تلك القارعة في الجبال حتى صارت كالعهن المنفوش؛ فكيف يكون حال الإنسان عند سماعها؟ وتقدم الكلام في الموازين وثقلها وخفتها في الأعراف، وعيشة راضية في الحاقة.
{فأمه هاوية}: الهاوية دركة من دركات النار، وأمه معناه مأواه، كما قيل للأرض أم الناس لأنها تؤويهم، وكما قال عتبة بن أبي سفيان في الحرب: فنحن بنوها وهي أمنا.
وقال قتادة وأبو صالح وغيره: فأم رأسه هاوية في قعر جهنم لأنه يطرح فيها منكوسًا.
وقيل: هو تفاؤل بشر، وإذا دعوا بالهلكة قالوا هوت أمه، لأنه إذا هوى، أي سقط وهلك فقد هوت أمه ثكلًا وحزنًا.
قال الشاعر:
هوت أمه ما نبعث الصبح غاديا ** وماذا يرد الليل حين يؤون

وقرأ الجمهور: {فأمه} بضم الهمزة، وطلحة بكسرها.
قال ابن خالويه: وحكى ابن دريد أنها لغة.
وأما النحويون فإنهم يقولون: لا يجوز كسر الهمزة إلا أن يتقدمها كسرة أو ياء، انتهى.
{وما أدراك}: هي ضمير يعود على هاوية إن كانت كما قيل دركة من دركات النار معروفة بهذا الاسم، وإن كانت غير ذلك مما قيل فهي ضمير الداهية التي دل عليها قوله: {فأمه هاوية}، والهاء فيما هيه هاء السكت، وحذفها في الوصل ابن أبي إسحاق والأعمش وحمزة، وأثبتها الجمهور: {نار}: خبر مبتدأ محذوف، أي هي نار، أعاذنا الله منها بمنه وكرمه. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ}
التفسير:
لما ختم السورة المتقدمة بأحوال المعاد ذكر في هذه السورة بعض أحوال الآخرة، والقرع الاصطكاك بشدة واعتماد ثم سميت الحادثة الهائلة قارعة والمراد هاهنا القيامة ولا أهول منها ولذلك قال في الإخبار عنها {ما القارعة} لأنه يفيد زيادة التهويل ثم قال: {وما أدراك ما القارعة} وانتصب {يوم} بفعل محذوف دل عليه القارعة أي تقرع الناس يوم كذا، وهذا القرع عبارة عن الصيحة التي يموت فيها الخلائق ثم يحييهم عند النفخة الثانية كما روي ان الصور له ثقب على عدد الأموات لكل واحد ثقبة معلومة فيحيى الله بتلك النفخة الواصلة إليه من تلك الثقبة المعينة.
وقيل: القرع هو اصطكاك الأجرام العلوية والسفلية حين التخريب والتبديل، أو هو نفس انفطارها وانتثارها واندكاكها قاله الكلبي وقال مقاتل: إنها تقرع أعداء الله بالعذاب، وأما أولياؤه فهم من القرع آمنون. والفراش اسم لهذه الدواب التي تتهافت فتقع في النار سمي فراشًا لتفرشه وانتشاره وأكد هذا المعنى بقوله: {المبثوث} وشبه الناس يومئذ بها لكثرتهم وانتشارهم ذاهبين في كل أوب كما شبههم بالجراد المنتشر في موضع آخر لذلك لا لصغر الجثة والنحول والضعف. وجوز بعضهم أن يكونوا أولًا أكبر جثة فشبههم وقتئذ بالجراد ثم يؤل حالهم إلى الهزل والضعف لحر الشمس ولسائر أصناف المتاعب، فشبهوا للضعف بالفراش. ويمكن أن يكون وجه التشبيه الذلة والضعف كقوله صلى الله عليه وسلم: «الناس اثنان: عالم ومتعلم وسائر الناس همج» وشبه الجبال بالعهن لاختلاف أجزائها في الحمرة والبياض والسواد كما مر في (المعارج). وزاد هاهنا وصفه بالمنقوش لتفرق أجزائها وزوال تأليفها ثم قسم الناس فيه إلى قسمين بحسب ثقل موازين أعمالهم وخفتها وقد مر تحقيقه في (الأعراف). وقوله: {راضية} من الإسناد المجازي كما مر في (الحاقة). وأما قوله: {فأمه هاوية} ففيه وجوه:
أحدها: أن الأم هي المعروفة والهاوية والهالكة وهذا من مستعملات العرب يقولون: هوت أمه أي هلكت وسقطت يعنون الدعاء عليه بالويل والثبور والخزي والهوان.
وقال الأخفش والكلبي وقتادة: فأم رأسه هاوية في النار لأنهم يهوون ي النار على رؤوسهم.
وقيل: الأم الأصل والهاوية من أسماء النار لأنها نار عتيقة والمعنى: منزلة ومأواه الذي يأوى إليه هو النار ويؤيد هذا الوجه قوله: {ماهية} أي ما الهاوية، هذا هو الظاهر. والأولون قالوا: الضمير للداهية التي يدل عليها قوله: {فأمه هاوية} وفي قوله: {نار حامية} إشارة إلى نيران الدنيا بالنسبة إلى نار الآخرة غير حامية والله أعلم. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

سورة القارعة:
مكية.
وهي إحدى عشرة آية.
وست وثلاثون كلمة.
ومائة واثنان وخمسون حرفًا.
{بسم الله} الملك الأعلى {الرحمن} الذي عمت نعمه إيجاده جميع الورى {الرحيم} الذي يخص أولياءه بالتوفيق لما يحب ويرضى.
ولما ختم العاديات بالبعث ذكر صيحته بقوله تعالى: {القارعة} أي: الصيحة، أو القيامة التي تقرع القلوب بأهوالها والأجرام الكثيفة بالتشقق والانفطار، والأشياء الثابتة بالانتشار. وقوله تعالى: {ما القارعة} تهويل لشأنها وهما مبتدأ وخبر، خبر القارعة، وأكد تعظيمها إعلامًا بأنه مهما خطر في بالك من عظمها فهي أعظم منه، فقال تعالى: {وما أدراك} أي: أعلمك {ما القارعة} أي: إنك لا تعرفها لأنك لم تعهد مثلها، وما الأولى مبتدأ وما بعدها خبره، وما الثانية وخبرها في محل المفعول الثاني لأدري.
واختلف في ناصب {يوم} على وجهين أحدهما أنه بمضمر دلّ عليه القارعة، أي: تقرعهم يوم. وقيل تقديره: تأتي القارعة يوم {يكون الناس} والثاني أنه أذكر مقدّرًا فهو مفعول به لا ظرف. وقوله تعالى: {كالفراش المبثوث} يجوز أن يكون خبرًا للناقصة وأن يكون حالًا من فاعل التامة، أي: يؤخذون ويحشرون شبه الفراش شبههم في الكثرة والانتشار، والضعف والذلة، والتطاير إلى الداعي من كل جانب كما يتطاير الفراش إلى النار، والفراش طائر معروف.
قال قتادة: الفراش الطير الذي يتساقط في النار والسراج، الواحدة فراشة.
وقال الفراء: هو الهمج من البعوض والجراد وغيرهما، وبه يضرب المثل في الطيش والهرج يقال: أطيش من فراشة. وأنشدوا:
فراشة الحلم فرعون العذاب وأن ** تطلب نداه فكلب دونه كلب

وفي أمثالهم: أضعف من فراشة، وأذل وأجهل. وسمي فراشًا لتفرشه وانتشاره.
وروى مسلم عن جابر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبهنّ عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي». وفي تشبيه الناس بالفراش مبالغات شتى منها الطيش الذي يلحقهم وانتشارهم في الأرض، وركوب بعضهم بعضًا، والكثرة والضعف، والذلة والمجيء من غير ذهاب، والقصد إلى الداعي من كل جهة، والتطاير إلى النار.
قال جرير:
إنّ الفرزدق ما علمت وقومه ** مثل الفراش غشين نار المصطلى

والمبثوث المتفرق، وقال تعالى في موضع آخر: {كأنهم جراد منتشر} (القمر).
فإن قيل: كيف شبه الشيء الواحد بالصغير والكبير معًا لأنه شبههم بالجراد المنتشر والفراش المبثوث؟
أجيب: بأنّ التشبيه بالفراش في ذهاب كل واحد إلى غير جهة الآخر، وأمّا التشبيه بالجراد فبالكثرة والتتابع.
{وتكون الجبال} على ما هي عليه من الشدّة والصلابة وأنها صخورًا راسخة {كالعهن} أي: الصوف المصبوغ ألوانًا لأنها ملوّنه قال تعالى: {ومن الجبال جدد بيض وحمر} (فاطر)
أي: وغير ذلك {المنفوش} أي: المندوف المفرّق الأجزاء فتراها لذلك متطايرة في الجوّ كالهباء المنثور، كما قال تعالى في موضع آخر: {هباءً منبثًا} (الواقعة)
حتى تعود الأرض كلها لا عوج فيها ولا أمّتا.
ثم سبب عن ذلك تعالى مفصلًا لهم:
{فأمّا من ثقلت موازينه} أي: برجحان الحسنات، وفي الموازين قولان:
أحدهما: أنه جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى، وهذا قول الفراء.
والثاني: قال ابن عباس: إنه جمع ميزان له لسان وكفتان لا يوزن فيه إلا الأعمال، فتوزن فيه الصحف المكتوبة فيها الحسنات والسيئات أو الأعمال أنفسها، فيؤتى بحسنات المؤمن في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان فإذا رجحت فالجنة له، ويؤتى بسيئات الكافر في أقبح صورة فيخف ميزانه فيدخل النار.
وقيل: إنما توزن أعمال المؤمنين فمن ثقلت حسناته على سيئاته دخل الجنة، ومن ثقلت سيئاته على حسناته دخل النار فيقتص منه على قدرها، ثم يخرج منها فيدخل الجنة، أو يعفو الله عنه فيدخل الجنة بفضله ورحمته. وأمّا الكافر فقد قال الله تعالى في حقه: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا} (الكهف)
ثم قيل: إنه ميزان واحد بيد جبريل عليه السلام يزن به أعمال بني آدم، فعبر عنه بلفظ الجمع.
وقيل: موازين لكل حادثة ميزان، وقيل: الموازين الحجج والدلائل قاله عبد العزيز بن يحيى، واستشهد بقول الشاعر:
قد كنت قبل لقائكم ذا مرّة ** عندي لكل مخاصم ميزانه

{فهو} أي: بسبب رجحان حسناته {في عيشة} أي: حياة يتقلب فيها.
قال البقاعي: ولعله ألحقها بالهاء الدالة على الوحدة، والمراد العيش ليفهم أنها على حالة واحدة في الصفاء واللذة وليست ذات ألوان كحياة الدنيا {راضية} أي: ذات رضا أو مرضية لأنّ أمّه جنة عالية.
{وأمّا من خفت} أي: طاشت {موازينه} أي: غلبت سيئاته، أو لم تكن له حسنة لاتباعه الباطل وخفته عليه في الدنيا.
{فأمّه} أي: التي تؤويه وتضمه إليها كما يقال للأرض أم لأنها تقصد لذلك، ويسكن إليها كما يسكن إلى الأمّ وكذا المسكن {هاوية} أي: نار نازلة سافلة جدًّا، فهو بحيث لا يزال يهوي فيها نازلًا فهو في عيشة ساخطة فالآية من الاحتباك ذكر العيشة أولًا دليلًا على حذفها ثانيًا وذكر الأمّ ثانيًا، دليلًا على حذفها أوّلًا، والهاوية اسم من أسماء جهنم وهي المهواة لا يدرك قعرها.
وقال قتادة: هي كلمة عربية كان الرجل إذا وقع في أمر شديد يقال: هوت أمّه.
وقيل: أراد أمّ رأسه يعني أنهم يهوون في النار على رؤوسهم، وإلى هذا التأويل ذهب قتادة وأبو صالح. وروي عن أبي بكر أنه قال: وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم يوم القيامة باتباع الحق وثقله في الدنيا، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحسنات أن يثقل، وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل وخفته في الدنيا، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا السيئات أن يخف.
{وما أدراك} أي: وأيّ شيء أعلمك وإن اشتدّ تكلفك {ماهيه} أي: الهاوية، والأصل ما هي فدخلت الهاء للسكت وقرأ حمزة في الوصل بغيرها بعد الياء التحتية ووقف بها، والباقون بإثباتها وصلًا ووقفًا.
فإن قيل: قال هنا: {وما أدراك ماهيه} وقال أوّل السورة: {وما أدراك ما القارعة} ولم يقل ما أدراك ما الهاوية؟.
أجيب: بأنّ كونها قارعة أمر محسوس وكونها هاوية ليس كذلك فظهر الفرق.
وقوله تعالى: {نار حامية} خبر مبتدأ مضمر، أي: هي، أي: الهاوية نار شديدة الحرارة. روى مسلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ناركم هذه التي توقد جزء من سبعين جزءً من حرّ جهنم، قالوا: وإنها لكافية يا رسول الله؟ قال: فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءً كلها مثل حرّها» وقول البيضاوي تبعًا للزمخشري: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة القارعة ثقل الله بها ميزانه يوم القيامة» حديث موضوع. اهـ.